ابن العريجاء مسعودى جديد
عدد المساهمات : 24 تاريخ التسجيل : 19/05/2009 العمر : 67 الموقع : الدوحة - قطر
| موضوع: قصة رجل شجاع عاش يوماً في العريجاء (قصة تراثية) الأحد يوليو 19, 2009 5:01 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيمأمحمد ود الشايقي... الفتى الخارق هذه لمحات من حياة شخصية عجيبة، عاشت في قرية العريجاء خلال النصف الأول من القرن العشرين. هو محمد ود الشايقي، أبو زينب، وجد كل من الصديق و الحسن وآمنة وسعاد أبناء محمد علي عبد القادر.
محمد أو (أُمْحُمَّد) ود الشايقي (أب زينب)، هو الشقيق الأصغر والوحيد لجدنا إبراهيم ود الشايقي، ولهما ثلاث أخوات، زينب وبخيتة وآمنة (آمنة هذه كانت عاقر وعمرت طويلاً وتوفيت ونحن في المرحلة المتوسطة، بالمناسبة حبوبتنا آمنة دي، والتي لا يعرف الناس لها اسماً سوى (الشايقية)، كانت شاهدنا الأوثق على أن أهلنا ينتمون فعلاً إلى قبيلة الشايقية، فقد كانت لكنة الشايقية واضحة في كلامها، وكانت لها علاقات متصلة مع أهلها بالشمالية، حيث كانت تأتيها سنوياً العجوة (الما خمج) من أهلها في جبل أبنعوف!!!). وفي حين أن جدنا إبراهيم كان رجلاً وقوراً وحكيماً، كان شقيقه محمد غاية في الشقاوة والصبينة والفراسة، فهو كان يمتلك شجاعة منقطعة النظير، وسرعة خارقة يسابق بها الريح، وقدرات أخرى خارقة، وفي الوقت ذاته كان شاعراً رقيقاً ينظم روائع من الشعر الغزلي المضمخ باللغة الحضرية والتعابير الراقية التي لم تكن مألوفة لدى أهلنا في تلك البقعة من السودان، وفي تلك الحقبة من الزمان، وسأحاول بإذن الله أن أفرد له بوست خاص في المنتدى الثقافي والأدبي، أذكر فيه طرفاً من أشعاره، ولكن دعونا اليوم نذكر مواقف من شجاعته، وقوته وخفته وسرعته الخارقة:
حكت لنا والدتنا عليها رحمة الله أنه كانت العادة قديماً عندما يتزوج الشاب، أن يحمل زوجته على يديه من موقع الحفلة ويركض بها نحو الغرفة المخصصة لهما (وهي في الغالب تبنى من القش، عن طريق النفير، وفي نفس يوم الزواج) ويحاول أصحابه اللحاق به وإمساكه، وهي عبارة عن لعبة يتسلون بها... تقول الوالدة: فعندما تزوج عمي محمد زوجته آمنة بت عبد الله (عُمِّرت طويلاً، ثم توفيت بعد أن تخرجنا من الجامعة، و لم ينجب منها جدنا محمد سوى بنت واحدة هي زينب والدة الصديق والحسن، العجيب أنني لم أرَ ابنتها زينب)، في الليلة الموعودة جاء أصدقاء عمي بحجر نمرة (طوله يزيد على المترين، وهو يستخدم كمنار للأرض) ووضعوه على بعد أمتار أمام باب الغرفة، ليتعثر به ود الشايقي أثناء انطلاقته نحو الغرفة (لاحظ أن الوقت كان ليلاً)، تقول فلما فوجئ عمي بالحجر أمامه، وهو يعدو حاملاً زوجته على يديه، قذف بها في الهواء أمامه ثم قفز فوق الحجر، وعاد ليلتقطها بين يديه مثل الكرة، ويدخل بها الغرفة، وسط ذهول جمهور الحاضرين من فتيان وفتيات (ده سبق ناس سبت دودو وحامد بريمة... حلالي !!!).
وهناك قصة أخرى حكاها لي حفيده الصديق (حالياً في العقد السابع من العمر) يرويها عن عمه الحسن ود عبد القادر، قال الصدِّيق: عمي الحسن قال ليْ: (كنا ماشين في أم درمان جنب زريبة العيش أنا وعِتمان أخوي وجدك أمحمد ود الشايقي، قمنا شفنا شكلة مدوِّرة جوة زريبة العيش بالعكاكيز، بين خمسة أنفار ضد تلاتة أنفار، ونحن نعاين ليهم ونعلِّق؛ نقول: الخمسة عصروا على التلاتة... التلاتة عصروا على الخمسة... الجماعة اتقادروا... الكترة غلبت الشطارة... وتعليقات زي دي، بس فجأة جدك أمحمد (هوب) تلَّب الزريبة متل الكديس، ورفع عكازو ومشى على الجماعة القاعدين اتشاكلوا، ونحن كلنا ختينا إيدينا فوق روسينا: (ود الشايقي شكيتك علي الله... ود الشايقي شكيتك علي الله !!!) بس نشوف ليك زولك دخل بين الجماعة المشَّكلين، وقال كده قبَّل على الخمسة، يصرف عكاز الواحد ويطقو طقة واحدة يرميهو، لامن ختاهم الخمسة في الواطة، وجرَّ عكازو وجانا راجع... (آ زول مالك جايب لينا جريمة في صمَّة خشمنا ؟؟!) قال: (بالحيل ما رضيت وكِتْ شفت الخمسة إتراغموا فوق التلاتة!!!) وهو كان بارعاً للغاية في عملية الصرف والمضاربة بالعكاز.
وفي منطقتنا كلها لم يكن هناك من يستطيع أن يقف في وجه ود الشايقي، أو يجرؤ على منازلته في ساحة القتال... فهو كان كما قال الشاعر (سِم أبْ دَرَقْ المنقِّع، جدري القيح المفقِّع) رغم أنه لم يكن له أبناء عمومة في المنطقة، وليس له قريب سوى أخيه إبراهيم، (وهو كان شبه متبرٍّي منو)... حكى لنا عباس بخيت (ابن خالي الشقيق)، قال: كنا في فُراش ود كرم الله، وكان قاعد في الفراش زول من ناس الجميلية اسمو الداسوقي، الزول دا قال ليْ: (يا ود بخيت؛ جدك أمحمد ود الشايقي كان فارس فراسة خرق عادة عديل، وفد راجل كان بيقدر عليهو مافي!! في مرة من المرات جمعنا نحن زي عشرة صبيان ووقَّفنا صف واحد، وبدا يكفت فينا واحد ورا التاني، وكت يقشطك بالكف لامن عيونك يقطرن، والدنيا تغيِّم في وشَّك، وفد زول فينا قال بغم مافي!! بعدين الداسوقي ده اتلفت كده شاف زول اسمو حاج فلان (من ناس العريجاء) قاعد في الفراش، قام وجَّه الكلام ليهو: (إتَّ يا حاج فلان اليوم داك ما لبدت سَتْ !!)، عباس قال: حاج فلان المعني سكت ساهي وخشمو ده ما فتحو (نحن اعتبرنا هذا الصمت نوعاً من الإقرار السكوتي).
أما أعجب قصة لجدنا محمد ود الشايقي فهي التي حكاها لي عمي عبد الجليل ود علي ود المحينة (عليه رحمة الله). قال ليْ: {كان في زول من الرضيمة اسمو المليح (لا يزال بعض أولاده أحياء بالرضيمة، وهي قرية قريبة جداً من العريجاء) جاء راكبلو فوق حصان، وسايق قدامو غنمو (ضان وماعز)، آها وكِت جدك أمحمد ود الشايقي شافو، قال ليهو: يا المليح تسابقني بحصانك ده!! المليح رد عليهو قال ليهو، والله يا ود الشايقي تسبق حصاني ده أكان أديك العناق السمحة ديييك، شايفها!! الجماعة ناس الحلة كانوا فايقين، خلاص عيشهم لموهو ودفنوهو في المطامير، وبقوا متفرغين للعطالة ولعب المنقلة، آها وكت لقوا موضوع السباق ده اعتبروهو برنامج ترفيهي وفرصة لا يمكن تفويتها، قاموا حددوا (الميس)، قالوا: الميس طنضبة ود الأحمر (شجرة طنضب لا تزال قائمة حتى الآن رغم قيام الباجور والترع) وهي مسافة تبلغ نحو 2 كلم. قاموا وقَّفوا زول هناك في طنضبة ود الأحمر، وقالوا: الحصان وود الشايقي يجروا لحد الطنضبة ويجوا راجعين، بعدين البِصل منهم أول هو الفايز بالسباق، وقالوا للمليح تقدِّم ود الشايقي شوية (زي تلاين متر كده)، قام ود الشايقي قال للمليح: شفت عناقك دي يا المليح؛ أنا حرَّم كان أشيلها فوق كتفي ده، وأسبق بيها حصانك العاجبك ده!! وقام طوَّالي شال العناق ختَّاها فوق كتفو، وانطلق السباق... عمي قال ليْ: عليك أمان الله؛ جدك سبق الحصان، ووصل الطنضبة قبلو، وجاء راجع منقلب، وجدع الحصان وراهو بعيد، ووكِت قرَّب لينا وخلاص ضمَّن العناق، مرق سكينو من ضراعو، وشخخخخ ضبحها فوق كتفو، وجانا ياكل في خرزتها !!!}
لك أن تصدق أو لا تصدق !!... جدنا هذا مات في ريعان شبابه، وهو هارب من البوليس، بعد أن استطاع أن يهرب من السجن في الحصاحيصا، وظلت الشرطة تطارده بقية عمره، ولكنهم لم يستطيعوا أن يظفروا به حتى مات، وهو لم ينجب إلا ابنته زينب التي رباها من بعده أخوه إبراهيم ود الشايقي وزوَّجها لمحمد علي ود عبد القادر، الذي أنجب منها الصديق والحسن وآمنة وسعاد (جميعهم أحياء باستثناء الحسن الذي توفي في ريعان شبابه). وقصة هروبه من السجن خلاصتها أنه كان سجيناً في الحصاحيصا وبرفقته رجل اسمه خوجلي (قريب ناس الفحل ود رحمة من أهلنا ناس العريجاء)، فلاحظ أن السجن به نافذه صغيرة على ارتفاع كبير، فاقترح على خوجلي أن يقف له بجوار الحائط، لكي يصعد هو على كتفه ويقفز من تلك النافذة العالية، (وبعد داك يباصر طريقة يفتح بيها الباب ويطلع خوجلي من السجن)، واستطاع ود الشايقي أن يهرب من السجن بهذه الطريقة الأكروباتية، ولكنه لم يستطع أن ينقذ زميله خوجلي، لأن رجال الشرطة أحسوا به، وطاردوه، فاضطر أن يلوذ بالهرب!! (الحصاحيصا دي؛ جدي جاها كديس... وأنا جيتها عريس !!) فألقى رجال الشرطة باللائمة على خوجلي وضاعفوا له العقوبة، لتواطئه على تهريب سجين من الحبس، (أمي قالت: قاموا طبقوا المدة حقَّتْ عمي أمحمد فوق خوجلي)، فظل ناس الفحل ود رحمة (أقارب خوجلي هذا) ناقمين على جدنا ود الشايقي، فكلما رأوه في البيوت، ركبوا جمالهم ويمموا صوب المسلمية أو الحصاحيصا ليبلغوا عنه، ولم يكن منه هو سوى أن يقدِّر المدة الزمنية التي يتوقع أن تصل فيها الشرطة إلى القرية (لم تكن لهم وسيلة نقل سوى الدواب)، ثم يأخذ عكازه ويتسلل من بين الأشجار التي كانت تنتشر بكثافة في المنطقة، ويذهب إلى أهله الشايقية في القطينة أو الخرطوم. وأخيراً مات في الخرطوم بعيداً عن زوجته وابنته الوحيدة، أمنا قالت: (عمي أمحمد شقَّاهو ليهو عرقي ساهي، ومات عند أهلو في الخرطوم).
هذا طرف من قصة الشاعر الرقيق الذي صوَّر حزنه في الليلة التي رحَّلوا فيها محبوبته (بلَّتنا بت عبد القادر) إلى قرية الجميلية القريبة من العريجاء، فقال مخاطباً صديقه الصافي ود شريف (توفي الصافي هذا ونحن في المرحلة الثانوية): بلَّتنـا العناق....مِتل القطن مِنْطـرقة ردَفـولها الحزام، مِنَّ الكلاب مِنْسرقة يا الصَّافي أخويْ كان شفتَ يوم الفَرْقة عمَلنْ قلبي شمعـة...وولَّعَنْبو الحَرْقـة إسماعيل الذبيح [i][center] | |
|